top of page
IMG_0560_edited.jpg

محمد سعود

ناقد ومحلل تشكيلي

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • Instagram

المعارض الفنية بين الاستدامة والاستمرارية والتوقف

كثرت المعارض والتظاهرات الفنية وتعددت في مختلف مدن العالم، وأصبحت لكثرتها ظاهرة يلفها الكثير من الغموض وتطرح حولها الكثير من التساؤلات لخروجها عن الأهداف الفنية المتوخاة منها وإكسابها طابعا سياحيا، مما جعل الإقبال عليها قليلا وبالتالي عدم قدرتها على الاستمرارية نظرا لهزالة المنتوج الذي تقدمه علما أن الهدف منها إثراء هذه الحركة الفنية وخلق حوار بصري بين الفنان والمتلقي، إلا أن هذه المعارض رغم ما يصاحبها من انتقادات وإخفاقات أحيانا تعتبر ظاهرة صحية لما ستخلقه من تراكم ستستفيد منه الأجيال القادمة في الاطلاع على وضع الفن التشكيلي في المغرب أو في البلدان الأخرى التي تنظم فيها هذه المعارض انطلاقا من الكاتالوغات أو الحوامل الرقمية التي تقوم باستنساخها الجمعيات التي تشرف وتنظم هذه المعارض.
وأهم شيء سنتطرق له في موضوع المعارض هو عدم توفقها في الاستدامة ولا الاستمرارية، والكثير من المعارض توقفت، منها فكرة البينالي العربي، ورغم عودة فكرة البينالي من جديد في بعض الدول العربية سنة 2019 كبينالي الفن المعاصر في الرباط، وبينالي الفن المعاصر بتونس أيضا وبينالي القاهرة الذي عاد بعد توقف دام ثـمان سنوات وتأسيسه يعود إلى سنة 1984، إلا أن هذه البيناليات في العالم العربي حديثة العهد ولا يمكن الحكم مسبقا على استمراريتها كما هو الشأن في بعض البيناليات العالمية التي لازالت مستمرة منذ عدة سنوات وتنظم بشكل منتظم، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بينالي البندقية
Biennale de Venise الذي تم تأسيسه سنة 1895 وبينالي ساوو باولو بالبرازيل الذي تأسس سنة 1958 وباريس سنة 1950.
وفي المغرب اذا أردنا الحديث عن التظاهرات التي استطاعت أن تقاوم جميع الإكراهات وتنظم باستدامة وسنويا نجد تظاهرة جمعية أكادير للفنون التشكيلية التي بدأت نسختها الأولى سنة 1994 ولازالت تقام إلى حد الآن، وميزة هذه التظاهرة السنوية أنها تغطي جميع الجوانب المتعلقة بالفن، حيث لا يتم الاكتفاء بعرض الأعمال الفنية بل تنظم على هامشها ندوات وورشات وجداريات وتكريمات، مما يثري الفنون البصرية ممارسة وتنظيرا، كما يجب التنويه بفرادة هذه التظاهرة في منح جوائز لفنانين وباحثين تشكيلين، ويكفي استحضار الأسماء التي تم تكريمها واستضافتها لمعرفة دور هذه الجمعية في إثراء ثقافة بصرية جادة رغم ضعف الإمكانات المادية.ورغم كل الإكراهات والمتاعب التي تصاحب التنظيم فإن الجمعية ارتأت هذه الدورة أن تنظم نشاطها طيلة السنة وفي أماكن مختلفة، وبذلك شكلت قفزة نوعية وثورة على نمط التظاهرات التي تكون منحصرة في حيز زمني ضيق. ناهيك عن طرح مواضيع مهمة جادة من خلال مناقشة علاقة الفن التشكيلي بالفنون الأخرى باستضافة مختصين في مجال الفن المعماري أو الصناعة التقليدية والفنون الحرفية.
إضافة إلى استفادة رواد التظاهرة من أطفال وذوي الاحتياجات الخاصة من الورشات التي تنظمها الجمعية، هذه الفئة الأخيرة التي عانت تهميشا على جميع المستويات رغم إسهامها بشكل كبير في تطوير جميع الفنون. وبإشراكها فعليا في هذه التظاهرة تكون الجمعية ردت الاعتبار لها وقامت بالتحسيس بأن الإعاقة محفز للإبداع، إضافة إلى تنمية الشعور بإثبات الذات واستثمار هذه الورشات للكشف عن المواهب والقدرات الثانوية في هذه الشريحة من المجتمع، وبالاهتمام بهذه الفئة يمكن تغيير النظرة النمطية التي تربط الإعاقة بالتسول والنقص واللعنة، علما أن هذه الفئة كان لها دور كبير في خدمة الإنسانية في جميع المجالات ولا أحد منا يجهل الدور الذي قام به الفيزيائي البريطاني ستيف هوكينغ في مجال تخصصه رغم معاناته من إعاقة جسدية شملت جميع أعضائه، إضافة إلى عباقرة آخرين عانوا من إعاقة جسدية واضطرابات نفسية كان لهم الأثر في تطوير الآداب والفنون والعلوم فقصور وظائف الجسم لا يعني قصور التفكير والإبداع، وفرضية التعويض قائمة في كل معاق إذا قمنا بتنمية قدراته وتحفيزه على الخلق والإبداع بدل تركيز الأسرة والمجتمع على الإعاقة بدل الموهبة، وما تقوم به جمعية آكادير للفنون التشكيلية من خلال الالتفات إلى هذه الفئة يعتبر تحقيقا للأهداف التي سطرتها مسبقا، ونحت بعيدا عن استغلال المعاقين لأهداف غير نبيلة.
وبهذا تكون الجمعية ساهمت بشكل كبير في إثراء الحركة التشكيلية في المغرب ممارسة وتنظيرا كما أنها تتوفر على أرشيف هائل يمكن أن يساعد الباحثين على تتبع ورصد جزء مهما من هذه الحركة على مدى أكثر من ربع قرن.

إضافة إلى تظاهرات أخرى ظهرت بعد الألفية الثانية وضمنت نوعا من الاستمرارية والتنوع كمعرض بصمات بسطات، ومعرض القصبة الذي انطلق من مدينة ورزازات وكذلك معرض طنجة الذي ينظم كل سنتين، إضافة إلى سمبوزيوم جمعية مؤسسة البوكيلي، دون أن نغفل المعارض التي كانت سائدة في ما قبل وتوقفت لأسباب كثيرة واذكر منها على الخصوص معرض الربيع بتطوان الذي توقف سنة 1987. وقبلها تظاهرة جامع الفنا التي شكلت ثورة على الانتقائية في المعارض ولم تتجاوز دورة واحدة، وبعد الألفية الثانية ظهرت معارض كثيرة كالصالون الوطني للفن المعاصر بالدارالبيضاء في دورتين فقط، وصالونات وتظاهرات في فضاءات عامة كان ينظمها المرحوم عبداللطيف الزين لم يكتب لها الاستمرار أيضا، وأعقبت هذه المعارض في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية التظاهرة الدولية للفنون التشكيلية والفوتوغراف بمكناس ومهرجان فاس الدولي للفنون للتشكيلية، ورغم الثراء الواضح في التظاهرتين الدوليتين بمكناس وفاس إلا أنهما توقفتا. وبعد العقد الأول من هذا القرن ظهرت معارض أخرى نظمتها جمعية اللمة وجمعية الفكر التشكيلي وجمعية أركان وجمعيات أخرى في شفشاون وطاطا ومراكش وسطات والجديدة وأكادير وأزمور وجرسيف ومدن أخرى منها مازال مستمرا ومنها ما يعرف تقطعا.
أما المهرجانات الأخرى التي كانت تنظم معارض وورشات وندوات وتنجز جداريات كمهرجان السعيدية وأصيلا والرباط فإنها كانت مهرجانات غير مخصصة للفنون التشكيلية بل هي مهرجانات تشمل الموسيقى والغناء وفنونا أخرى وأحيانا أصنافا إبداعية أخرى كالشعر ومحاضرات فكرية، تبقى كل هذه المعارض بإخفاقاتها ونجاحاتها مصدرا مهما للباحثين من خلال مواكبتها أو الاطلاع على كاتالوغاتها خاصة في ظل توفر وسائل التوثيق الرقمية التي تسهل عملية الأرشفة والتخزين، مما سيساعد في إنجاز أبحاث تكشف عن نوع الفن السائد في كل مرحلة وعن أعمال الكثير من الفنانين الذين فتحت لهم أبواب المعارض والصالونات لعرض أعمالهم لأول مرة، ونجحوا في مسارهم الفني

Contact

Je suis toujours à la recherche de nouvelles opportunités. Contactez-moi.

bottom of page